توجّهت الأنظار بالأمس الى المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري. هذه "المبادرة" التي أطلقها الرئيس سعياً لاحتواء الازمة حملت عنوانا عريضاً وهو "النأي بالنفس"، ليبقى السؤال: "ما معنى النأي بالنفس"؟.
عجّ القصر الجمهوري بالوافدين سعياً لإيجاد مخرج يقفل نهائياً الباب على أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري المستجدّة، هذه الأزمة التي استطاع الرئيس عون احتواءها ليكمل طريق الحلّ "بحفظ ماء الوجه" بمشاورات "النأي بالنفس ولكن ليس عن اسرائيل". وفي هذا السياق تشير الكاتبة والمحللة السياسية سكارليت حداد الى أن "عون فصل خلال مشاوراته بين التدخل بالبلدان العربية وبين قتال العدو الاسرائيلي، فلا يمكن للبنان أن ينأى بنفسه عن اسرائيل وهي لا تنأى بنفسها عنه من هنا فإن السلاح الّذي يحمي لبنان من الاعتداء الاسرائيلي لا يمكن النقاش فيه طالما أن التهديد موجود". هذا ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي خليل فليحان، مشيراً الى أن "التركيز في المشاورات كان على عدم الاساءة الى العلاقات مع الدول العربية وخصوصاً السعودية وعدم استعمال حزب الله لسلاحه فيها في حين أن التشديد كان على بقاء السلاح لمواجهة اسرائيل ومكافحة الارهاب، فصحيح أننا انتصرنا في معركة "فجر الجرود" ولكن الخلايا النائمة لا تزال موجودة في لبنان".
في حصيلة المشاورات التي انتهت أكد البيان أن النتائج ستظهر في أول جلسة للحكومة وفيها سيتم التطرق الى المسألة على أن يتخذ القرار بإضافة بنود الى البيان الوزاري أو التعديل فيه. ولكن الاكيد بحسب سكارليت حداد أن "البيان المذكور سيفسر مسألة النأي بالنفس على أن يكون هناك إشارة فيه الى أن مسألة قتال اسرائيل ليست للنقاش وبالتالي فإن سلاح حزب الله من هذه الناحية لن يكون مطروحاً". بالمقابل يشير فليحان الى أن "ما سمعه رئيس الحكومة سعد الحريري من عون في ختام نهاره الطويل كان مطمئناً والدليل الأكبر أنه وعندما سأل عن الاجواء كان جوابه شافياً بما فيه الكفاية "ما شايفيني عم بضحك".
سكارليت حداد تلفت الى أن "الرئيس ليس ميالاً الى طاولة الحوار وبعودته الى المشاورات الثنائية فعّل دور رئيس الجمهورية، فبدل أن يتنازع الافرقاء على طاولة الحوار كان معه مباشرةً وهو يحفظ الاراء ويقوم بتنقيتها". في حين أن فليحان رأى أن "هذه المشاورات أتت استكمالاً للطلب الذي تقدّم به عون من الحريري ودعاه فيه للتريّت في تقديم الاستقالة"، مشيراً الى أن "الرئيس عون يسعى وبكل الوسائل الى عودة العمل الحكومي على ما كان عليه في ظل وجود استحقاقات قادمة كمراسيم النفط والانتخابات وغيرها"...
إذاً أتت هذه المشاورات وبحصيلتها تثبيتاً لمسألة النأي بالنفس عن التدخل في شؤون البلدان العربية ولكن ليس ضدّ اسرائيل، وينتظر أن تحمل الايام المقبلة عودة الحياة الى المؤسسات والعمل الحكومي لتنتظم الامور شيئاً فشيئاً الى ما كانت عليه قبل الرابع من تشرين الثاني.